واجهت شركة OpenAI موجة غضب غير متوقعة بعد إطلاق نموذجها الجديد GPT-5، إذ لم يلاقَ التقدم التقني الاحتفاء المعتاد، بل أثارت التغييرات المفاجئة ردة فعل عنيفة دفعت الشركة إلى تقديم سلسلة اعتذارات وتراجع استراتيجي سريع، ما كشف حقيقة جديدة حول الذكاء الاصطناعي: إنه لم يعد مجرد أداة، بل أصبح جزءًا لا يتجزأ من حياة الملايين، وأي تغيير مفاجئ له عواقب مباشرة على المستخدمين.
وكانت البداية في سان فرانسيسكو، حيث شهد مستودع في الثاني من أغسطس جنازة نموذج ذكاء اصطناعي، إذ تجمع نحو مائتي شخص لتوديع Claude 3 بعد قرار شركة Anthropic إيقاف الوصول إليه عقب إطلاق النسخة الأحدث. وقد وصف المشاركون فقدان النموذج بأنه أشبه بفقدان صوت أثر في حياتهم اليومية، وعبّر بعضهم عن امتنانه للتجارب التي مروا بها معه، معتبرين أن تفاعلاتهم معه شكلت جزءًا مهمًا من تجربتهم الإنسانية والتقنية على حد سواء.
وبعد أقل من أسبوعين، ومع إطلاق GPT-5، أصبحت هذه الجنازة رمزًا لما يمكن أن يتحول إلى مألوف في عالم الذكاء الاصطناعي، حيث امتلأت منصات التواصل بالشكاوى والاعتراضات. لم يكن غضب المستخدمين تقنيًا فقط، بل شعورًا بالخيانة، إذ أجبرتهم الشركة على التخلي عن نماذج اعتادوا الاعتماد عليها في حياتهم الرقمية والشخصية. وعبّر بعضهم عن شعورهم بأن هذه النماذج لم تكن أدوات فحسب، بل شريكًا داعمًا خلال لحظات صعبة من حياتهم.
استجاب سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة OpenAI، سريعًا لموجة الغضب، معترفًا بأن الشركة أخطأت في إيقاف النماذج القديمة فجأة، وأوضح أن ارتباط بعض المستخدمين بالنماذج أعمق من أي ارتباط سابق مع أي تقنية أخرى. وقدم حلولًا سريعة لاستعادة الثقة، منها زيادة حدود الاستخدام للوظائف المتقدمة وعرض اسم النموذج المستخدم في كل استفسار لتعزيز الشفافية.
وتوضح هذه الأزمة أن مختبرات الذكاء الاصطناعي لم تعد تستطيع العمل بمعزل عن مشاعر ورغبات مستخدميها، فالعلاقة مع النماذج تتجاوز الاستخدام الوظيفي لتصبح علاقة عاطفية، وهو أمر ثبتت قوته عبر دراسات وتحليلات حديثة أظهرت أن بعض المستخدمين يكوّنون روابط قوية مع النماذج حتى لو لم يكونوا يعانون أوهامًا.
وفي ضوء هذه النتائج، يطالب الخبراء بإتاحة فترة انتقالية كافية للمستخدمين عند إطلاق نماذج جديدة، وإبقاء النماذج القديمة متاحة لأطول فترة ممكنة، مع ضمان شفافية كاملة حول كيفية عمل النماذج الجديدة وميزات كل نسخة. كما تعتبر خطوة عرض اسم النموذج المستخدم لكل استفسار مهمة، إذ تمنح المستخدم القدرة على اتخاذ قرارات واعية وتعزز الثقة بالنماذج.
وتسلط هذه الأحداث الضوء على تحدٍ جديد أمام شركات الذكاء الاصطناعي، فمع وصول عدد مستخدمي ChatGPT إلى مئات الملايين أسبوعيًا، أصبح أي تغيير مفاجئ مصدر ضغط عالمي، كما تعلمت شركات التكنولوجيا الكبرى. وللحفاظ على رضا المستخدمين، يجب أن تكون التغييرات المستقبلية أبطأ وأكثر ترويًا، مع مراعاة الجانب العاطفي في العلاقة بين الإنسان والنموذج.
وفي النهاية، تثبت ردة الفعل العنيفة ضد فرض GPT-5 على المستخدمين أن الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد تقنية اختيارية، بل أصبح جزءًا من النسيج الاجتماعي والثقافي، ويتطلب من صانعيه تحمل مسؤولية كبيرة في كيفية تقديمه وتطويره بما يحافظ على ثقة المستخدمين ورفاهيتهم.